قراءة البسملة في الصلاة

+
----
-
"السلامـ عليكمـ ورحمهـ اللهـ وبركآتهـ"

ختلفت أقوال الفقهاء في قراءة البسملة في الصلاة، بمعنى أن المصلي قبل أن يقرأ الفاتحة، هل يبدأ قراءة الفاتحة بالبسملة أم يقرأ من غير بسملة؟


ففقهاء الحنفية والحنابلة يجيزون قراءة البسملة في أول الفاتحة في صلاة الفريضة أو النافلة، بشرط الإسرار في القراءة في كل ركعة من ركعات الصلاة، أما فقهاء المالكية فإنهم يمنعون قراء البسملة في صلاة الفريضة عند قراءة الفاتحة أو غيرها، سراً كانت الصلاة أو جهراً، لكنهم يجيزون قراءة البسملة في صلاة النافلة . أما فقهاء الشافعية فإنهم يوجبون قراءة البسملة في كل ركعة من ركعات الصلاة، لا فرق في ذلك بين الصلاة الجهرية أو الصلاة السرية، ويجهر بقراءة البسملة في الصلاة الجهرية، وهي الصبح والمغرب والعشاء، ويُسر بالبسملة في الصلاة السرية، وهي صلاة الظهر والعصر والركعة الثالثة في صلاة المغرب وفي الركعة الثالثة والرابعة في صلاة العشاء . وهناك قول آخر للحنابلة يقولون بما قال به فقهاء الشافعية .



القائلون بالبسملة



وحينما نتأمل سبب اختلاف الفقهاء في هذه المسألة المهمة يتبين لنا أن فقهاءنا الأجلاء قد اختلفوا في هذه المسألة لسببين، السبب الأول: هل البسملة آية من الفاتحة أم ليست آية من الفاتحة؟ السبب الثاني: الاختلاف في فهم الآثار الواردة في ذلك . ولهذا نستطيع أن نقول:


هناك من ذهب إلى أن البسملة آية من الفاتحة أو من كل سورة من سور القرآن الكريم، وهناك من يقول إنها ليست آية من الفاتحة أو من كل سورة، مع اتفاق جميع الفقهاء على أن البسملة التي بسورة النمل آية من القرآن الكريم ولا يجوز إنكارها بحال من الأحوال، لأنها ضمن الآيات القرآنية المتواترة بداخل سورة النمل، وذلك في قوله تعالى: “إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين”، فمن جعل البسملة آية من الفاتحة أوجب قراءتها عند قراءة الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة، ومن جعلها آية من كل سورة من سور القرآن أوجب قراءتها عند كل سورة من سور القرآن الكريم . واستدل القائلون بوجوب قراءة البسملة عند قراءة الفاتحة في الصلاة بأدلة كثيرة متعددة: ومنها: حديث نعيم بن عبدالله المجمر قال: “صليت خلف أبي هريرة -رضي الله عنه- فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قبل أم القرآن، وكبر في الخفض والرفع، وقال: أنا أشبهكم صلاة بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم”، وهذا الذي يقوله الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- يؤكد لنا قراءة البسملة عند قراءة الفاتحة وعند قراءة السورة . وهذا يدل على أن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يبدأ ب”بسم الله الرحمن الرحيم” عند قراءة الفاتحة وعند قراءة سورة من سور القرآن، وإلا لما قرأها هذا الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- بل إنه -رضي الله عنه- أكد قوله وفعله بقوله: “أنا أشبهكم صلاة بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم” .


وجاء في مسند الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- عن أم المؤمنين السيدة أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله رب العالمين” . فهذه أم المؤمنين السيدة أم سلمة -رضي الله عنها- وهي إحدى نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن أمهات المؤمنين، تصف لنا كيفية صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه عليه الصلاة والسلام كان يبدأ القراءة حال الصلاة “ببسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين”، وهو القائل لأصحابه “صلوا كما رأيتموني أصلي”، فكيف يعلمهم الصلاة ويأمرهم باتباعه ويدخل على الصلاة بما ليس منها؟ ويدل كل هذا على أن البسملة آية من فاتحة الكتاب وإلا لما قرأها .


وجاء في سنن الترمذي عن سيدنا عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم . فهذا حبر الأمة وترجمان القرآن الكريم كان إذا صلى يقرأ البسملة، وعلم الصحابة الكرام بقراءتها من الجهر بها عند قراءته -صلى الله عليه وسلم- عند دخوله في الصلاة، وأن الصحابة الكرام سمعوا منه ذلك فدل هذا على أنها آية من فاتحة الكتاب . وهذه هي الأدلة التي استدل بها القائلون بأن البسملة آية من الفاتحة، ومن كل سورة من سور القرآن الكريم، مستدلين بالأدلة المتعددة التي ذكرنا بعضاً منها .



الرأي الآخر



أما الذين يقولون بأن البسملة ليست آية من الفاتحة أو ليست آية من كل سورة من سور القرآن الكريم باستثناء آية النمل التي جاء فيها قوله تعالى: “قالت يا أيها الملا إني ألقي إليّ كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا على وأتوني مسلمين”، فهؤلاء استدلوا بأدلة متعددة، ومنها: ما جاء في سنن النسائي عن ابن مغفل قال: سمعني أبي وأنا اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: يا بني إياك والحدث . فإني صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر فلم أسمع رجلاً منهم يقرأها، وقال أبو عمرو بن عبدالبر: ابن مغفل رجل مجهول . وهذا معناه أن ابن مغفل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما فما سمع من أحد يقرأ ويبدأ قراءته بالبسملة فدل هذا على أن القراءة تبدأ ب “الحمد الله رب العالمين” من غير البسملة، ولكن ما دام ابن مغفل رجلاً مجهولاً فالدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، وجاء في موطأ الإمام مالك -رحمه الله تعالى- عن سيدنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين فكلهم كان لا يقرأ بسم الله إذا افتتحوا الصلاة .


فهذا سيدنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- وهو صحابي جليل بل هو خادم سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى خلف سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان -رضي الله عن الجميع- فلم يسمع واحداً منهم يصلي ويبدأ قراءة الفاتحة بالبسملة .



مسألة خلافية



ومن كل ما سبق يتبين لنا أن كلاً من الفريقين استدل بأدلة تؤكد ما ذهب إليه وتؤيد قوله، ولهذا فقد التزم بما التزم به، وأن الكل استدل بما علمه من سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن الصحابة الكرام، وكان على رأس هؤلاء الصحابة الكرام سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا أنس بن مالك وغير هؤلاء كثير وكثير، وهذا ما قاله القائلون بعدم وجوب قراءة البسملة قبل قراءة الفاتحة . أما القائلون إن البسملة آية من الفاتحة وتجب قراءتها قبل قراءة الفاتحة في كل صلاة، فهؤلاء الأفاضل قالوا ما قالوه لأدلة اطمأنت إليها النفوس وارتاحت لها القلوب، خاصة أن من قال بهذا القول حبر الأمة وترجمان القرآن وهو ابن عم سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأنه: “اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل”، هذا إضافة إلى رواية أم المؤمنين السيدة أم سلمة -رضي الله عنها- وهي التي لا تقول شيئاً إلا عن علم علمته من سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وهذا كله يؤكد لنا أن هذه المسألة خلافية ولكل واحد دليله الذي استند إليه، وللإنسان أن يستفتي قلبه في هذه المسألة، فمن أراد الصلاة فله أن يبدأ القراءة بالبسملة، ومن قرأ الفاتحة من غير البسملة فهو على صواب .



في رعأيهـ الله..